الشاعر السيد صالح القزويني .. فارس العلم والأدب

شاعر غرس يراعه بمداد العلم، وعالم سطع نجمه في دنيا الأدب، فبلغ الغاية القصوى في نبوغه العلمي وتضلّعه الأدبي، ومثلما كان يرفد الساحة العلمية بمؤلفاته فقد كان يتحف الساحة الأدبية بما تجود به قريحته من أشعار رائقة، فكان له شأناً كبيراً على الساحتين.

ولد السيد صالح الحسيني القزويني في النجف الأشرف في عام (1208هـ) ونشأ في بيئة تحفها العلوم والآداب فهو من أسرة لها في مضماري العلم والأدب باع طويل وجذور عميقة, فجدّه السيد رضا القزويني من كبار العلماء ومن أقران العلامة الكبير الشيخ مهدي الفتوني أستاذ بحر العلوم وكاشف الغطاء.

برز في أسرة القزويني كبار العلماء والشعراء والخطباء وبقيت هذه الأسرة الكريمة تنجب أعلام العلم والتقى والأخلاق والأدب ومن أبرزهم السيد صالح الذي كان شعلة علمية وأدبية في هذه الأسرة  وبقيت هذه الشعلة وقّادة بما أنجبه من الأعلام، فكان للجو العلمي والأدبي تأثيره المطلق على هذه الأسرة فضلاً عن الروح الإسلامية الولائية التي تغمره والتي توشحت بحب أهل البيت (ع) فقد سلك نجلا السيد صالح القزويني مسلك أبيهما فكانا من كبار الشعراء في قافلة شعراء أهل البيت (ع).

نسبه الشريف

هو السيد صالح بن مهدي بن رضا بن محمد علي بن أبي القاسم محمد بن محمد علي بن مير قبا بن أبي القاسم محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسن بن أبي الحسن علي بن أبي الحسين بن علي بن زيد بن أبي الحسن علي الغراب بن يحيى المدعو عنبر بن أبي القاسم علي بن أبي البركات محمد بن أبي جعفر احمد بن محمد صاحب دار الصخرة في الكوفة بن زيد بن علي الحماني الشاعر بن محمد الخطيب بن جعفر الملقب بالشاعر ابن محمد بن زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).

نشأ القزويني في النجف الأشرف ولا ينكر ما لهذه المدينة من أثر كبير على العالم الإسلامي فهي مركز إشعاع علمي وأدبي بارز على مدى العصور, فدرس العلوم الدينية على جماعة من العلماء وعلى رأسهم أستاذه الإمام الشيخ محمد حسن الجواهري صاحب كتاب (جواهر الكلام) الذي عرف به وكان أقربهم إليه وأعمقهم أثراً في نفسه وقد تزوج القزويني ابنته. وولد له خمسة أولاد وست بنات حذا منهم اثنان حذو أبيهما في الشعر هما: السيد راضي والسيد حسين المشهور بالسيد (حسون)، وبرز آخر في ميدان العلم والفقه هو السيد مهدي المتوفى سنة 1257هـ.

وكان للأثر العميق من قبل الأستاذ صاحب الجواهر في نفس التلميذ القزويني انعكاساً على مؤلفاته, فبدأ رحلته العلمية مع التأليف ومن أهم مؤلفاته: مؤلفاً ضخماً في ثلاثة مناهج وخاتمة اسمه: تاريخ أحوال سيد الوصيين أمير المؤمنين (ع) ثم أقبل على الشعر إقبالاً شديداً غطى على مؤلفاته حتى عرف شاعراً كبيراً.

هاجر السيد صالح القزويني إلى بغداد وسكن فيها مرجعاً كبيراً رجعت إليه الناس في أمورها فكان شعلة هدى ومصباح رشاد تقتدي الناس بعلومه, كما كان لوجوده في بغداد أثراً كبيراً في استبصار كثير من المذاهب الأخرى وتشيّعهم بفضل علمه الواسع الغزير وأخلاقه الرفيعة وقد رغب بالعودة إلى مسقط رأسه النجف الأشرف فالتمسه وجهاء الكاظمية وبغداد بالبقاء فاستجاب لطلبهم فبقي معهم حتى وافاه الأجل في بغداد.

 

كلمات الأعلام

قال عنه السيد الأمين: وكان شيخاً جهبذاً كثير الشعر جيده حسن الكلام مجيد الوصف وله قصائد في مدح أئمة أهل البيت الطاهر ومراثيهم … (1)

كما قال عنه أيضاً: السيّد صالح بن السيّد مهدي الحسينيّ القزوينيّ الأصل البغداديّ المسكن، فقيه وأديب كبير، كثير الشعر جيّده حسن الكلام، وله قصائد في مدح الأئمّة الأطهار عليهم السّلام ومراثيهم، استوفى فيها شيئاً من فضائلهم ومعجزاتهم. له (الدرر الغروية في أئمّة البريّة) وهو ديوان شعر يشتمل على أربع عشرة قصيدة، كلّ قصيدة في إمام. (2)

وقال عنه السيد جواد شبر: من أعلام العلماء والشعراء نشأ على حبّ العلم إلا أنه اشتهر بمقارضة الشعر وكان وقوراً جميل الهيئة قوي العارضة حسن المعاشرة لطيف المحاظرة ….  (3)

وقال عنه رضا كحالة: من شعراء العراق الإمامية. (4)

وقال عنه الزركلي: شاعر إمامي (5)

كما ترجم له وأثنى عليه الشيخ المحقق الكبير محمد صادق الكرباسي (6)

الدرر الغروية

وقد تميّز شعره بصدق العاطفة والإخلاص في الولاء لأهل البيت (ع) وخاصة في مراثيه الحسينية التي أكدت صدق عاطفته بقدر إجادته في تقديم الأنموذج الراقي لمراثي الإمام الحسين (ع) مضيفاً لمساته الإبداعية التي أكدت تفوّقه في هذا الفن فلم يمدح أو يرثي لأجل الشهرة ولا غيرها بل دل شعره على إيمانه بمنهج أهل البيت (ع) وإخلاصه وحبه لهم, ويؤكد القزويني ذلك في مقدمة (الدرر الغروية في أئمة البرية) وهي مجموعة قصائد طويلة جداً له في مدح ورثاء أهل البيت (ع) حيث يقول:

إني مُذ علقت أناملي بأهداب عيون الآداب، واجتليت من تلك الفنون لباب الألباب, ووصل إليَّ ما انتهى لموالينا الأئمة الأطياب من شديد المصاب الموجب لتخليد الحزن والاكتئاب إلى يوم النشر والحساب, وتصفّحت ما ورد من فضائلهم عن طريق السنة والكتاب, وتلوت ما رُوي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه أفضل التحية والصلاة والسلام، إنه قال: (بنى الله بيتاً في الجنة لمن قال فينا بيتاً من الشعر ولو كان ملحوناً), لم أزل أتشوّق لرثاء سادات البشر بقصائد أربعة عشر عدد أولئك الميامين الغرر وتشتمل كل واحدة على نشر فضائل من نسبت إليه وذكر بعض مما و قع فيه.

ديوانه

أما ديوانه الكبير فقد جمعه العالم الشاعر الشيخ ابراهيم صادق العاملي وكتبه بخطه وترجم للشاعر ترجمة مُفصلة ، وهذه النسخة اشتراها الأب أنستاس الكرملي ثم انتقلت بعد موته إلى مكتبة دار الآثار العامة ببغداد مع أكثر من ألف وخمسمائة من مخطوطات كتب انستاس.

يقول السيد جواد شبر: رأيته في مكتبة دار الاثار برقم ١٢٢٠ ويحتوي على عشرة آلاف بيت، كما قام البحاثة الشيخ محمد السماوي أيضاً بجمع ديوانه وديوان ولده السيد السيد راضي المتوفي في حياة أبيه سنة ١٢٨١ هـ من ضمن عشرات الدواوين التي جمعها السماوي أما (الدرر الغروية) التي احتوت على أربعة عشر قصيدة على عدد المعصومين (ع) فقد طبع منها خمس قصائد الأولى والتي تختص بالخمسة أصحاب الكساء (ع).

وأغلب شعر السيد صالح القزويني هو في مدح ورثاء أهل البيت فقد أحصي مجموع شعره في ديوانه الدرر الغروية ألفان وثمنمئة وعشرين بيتاً منها مائتان وخمس وسبعون بيتاً في النبي(ص) ومائة وخمسة‌ وسبعين بيتاً في الزهراء فاطمة (ع) وفي أمير المؤمنين (ع) مائتان وثلاثة وثمانين بيتاً وفي الإمام الحسن (ع) مائة وواحد وخمسين بيتاً وفي الإمام الحسين (ع) مئة وستة وعشرين بيتاً وهكذا في التسعة المعصومين (ع)

قراءة في خصائص شعره

تميّزت قصائد القزويني بالثراء وكثرة التفاصيل وغزارة الموضوع وتنوع المفاصل وهذا يدل على إلمام الشاعر بحياة أهل البيت (ع) وسيرتهم فضلاً عن امتلاكه نفساً طويلاً وقدرة على الانسجام في القصيدة فقد احتوى ديوانه على قصائد مطولة لم تفقد جزالتها وبلاغتها حتى آخر بيت، يقول في قصيدته اللامية التي بلغت مائتان وخمسة وسبعون بيتاً في مدح النبي (ص) ورثائه:

أين من يثرب الأثيرُ جلالا   ***   وهو نورُ من نورِها يتلالا

قد تجلَّت ملائكُ اللهِ فيه   ***   وتجلّى لها المليكُ تعالى

وإليها الأملاك تهبط منه   ***   تبتغي من مليكِها الإجلالا

أو ما حلّ سيد الرسل فيها   ***   من به الرسل حازت الإرسالا

كيف لم تفتخر على العرشِ أرضٌ   ***   حوت الطهرَ أحمداً والآلا

قد تجلّت من نورِه نارُ موسى   ***   وله خرّ يوم دكّ الجبالا

فالشاعر هنا ينهل من موارد ثقافته العلمية ليعطيها طابعاً أدبياً فلألفاظ (نور، الأملاك، المليك، العرش) لها دلالات عميقة تشير إلى منزلة النبي الأكرم (ص), والأرض هنا تفخر على العرش لأنها حوت سيد المخلوقات قاطبة وهو الرسول محمد (ص) والعرش من ضمن المخلوقات كما إن النار التي تجلت لموسى (ع) هي قبس من نور محمد (ص) الذي هو نور الله تعالى، ثم يقول الشاعر:

بشرت قومها به رســـــــــل الله وأوصت بودِّه الأجيالا

ما عليهم أعلاه إلا لعلمٍ   ***   إنه خيرُهم له أعمالا

ثم لمّا أرادَ أن يرحمَ اللهُ الــــــورى وهو راحمٌ لنْ يزالا

أرسلَ المصطفى على فترةٍ مــــن رسلِهِ هادياً به الضُّلّالا

فالشاعر هنا يؤكد من خلال ذكره لبعض معاجز وفضائل الرسول الكريم محمد (ص) على مكانته العظيمة عند الله وأنه وصل إلى مرتبة لم يصل إليها نبيٌّ من الأنبياء وإن الله تعالى عندما أراد أن يرحم الناس أرسل إليهم من كان بهم (رؤوفاً رحيماً) وعلى هذا النسق يسترسل الشاعر في تعداد مزايا وصفات الرسول وفضائله وعندما ينتقل إلى رثاء النبي (ص) يقول:

كان غيثاً على النواحي ولمّا   ***   أن تجلّى منها النواحُ، أطالا

كان للدينِ عصمةً، للمنوبيـــــــن غياثاً، للمرمِلينَ ثُمالا

كانَ للهِ في بريَّتهِ ظلّا   ***   به الله يصرفُ الأنكالا

أما في مدح أمير المؤمنين (ع) فتبرز لنا عينيته الطويلة والتي تبلغ مائتان وثلاثة وثمانين بيتاً، والتي يقول فيها:

سَلْ أهلَ بدرٍ من أطلَّ دماءَها   ***   ولوَى لواها والأسنةُ تشرعُ ؟

وسلِ ابنَ ودٍ من أساقه بسيفه   ***   كأسَ الردى والشوسُ عنه تتعتعوا ؟

سلْ من وقى نفسَ النبيِّ بنفسِهِ   ***   بمبيتهِ والمشركونَ تجمَّعوا ؟

من سارَ جهراً بالفواطمِ مُرغِمَاً   ***   آنافَهم يقفو النبيَّ ويتبعُ ؟

من كانَ يومَ الفتحِ يحملُ رايةَ الإيـــــمانِ يحطمُ بالسنانِ ويقرعُ ؟

وسلِ الجحافلَ في حُنينٍ من رسى   ***   قدماً يذبُّ عن النبيِّ ويدفعُ ؟

سلْ خيبراً من قدَّ مرحبَها ومن   ***   لحماتها كأس الحمام مجرّعُ ؟

والملاحظ في هذه الأبيات أن الشاعر أتى بالاستفهام المتكرر (مَن) للتعظيم فهو يذكر تلك الوقائع مشيراً إلى بطلها وهو يؤكد جملة من الحقائق تتعلق بشجاعة الإمام علي (ع) الذي تحققت على يديه كل هذه الانجازات العظيمة للإسلام فيما عجز غيره عن إتيانها ثم ينتقل الشاعر إلى ما جاء في حق الإمام علي في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فيقول:

سلْ هل أتى والعاديات وعمّ والــــــــسورات فهي بمدحه لك تصدعُ ؟

سلْ من بخاتمِهِ تصدّقَ راكعاً   ***   وبه الحصى للوالبية تطبعُ ؟

سل يوم خمٍّ من بفرضِ ولائه   ***   لو تسمع الصمَّ الدعاء إذا دعوا

يا قوم إني ظاعن عنكم إلى الــــــرحمنِ والثقلينِ فيكمْ مُودِعُ

فاستمسكوا بهما فطوبى لامرئ   ***   مستمسكٌ يوم الخلائقِ تجمعُ

وعماد هذه الأبيات ومحورها هو أفضلية الإمام علي (ع) وأحقيته بالأمر بعد الرسول ويؤكد الشاعر هذه الأحقية بكتاب الله وأحاديث النبي (ص) وخاصة حديث الغدير وحديث الثقلين فهي نصوص صريحة على خلافته بعد رسول الله (ص)، أما في حق الزهراء (ع) فلشاعرنا لامية عصماء تبلغ مائة وخمس وسبعين بيتاً، يقول فيها:

فاطمٌ بضعتي ومن ساءها   ***   منكمُ فقد ساءني وساءَ الجليلا

أنا من فاطمٍ وفاطمُ منّي   ***   قالها أحمدٌ لها تبجيلا

مكثت بعده قليلاً فقاستْ   ***   من عداهُ شجىً وحزناً طويلا

تضمّنت هذه الأبيات إشارة إلى أحاديث الرسول (ص) بحق ابنته الزهراء (ع) ومنزلتها عنده وقد جعل الشاعر منها دخولاً إلى الفجيعة التي جرت عليها (ع) بعد وفاة أبيها، ثم يقول في رثائها:

إنّ يومَ البتولِ أجرى عيـــــــونَ الآلِ شجواً دماً ودمعاً همولا

إنّ يومَ البتولِ أورثَ قلـــــــبَ الدينِ والمسلمين داءً دخيلا

إنّ يومَ البتولِ أبكى علياً   ***   وبنيهِ والرسلَ والتنزيلا

طالما في الظلامِ لله صــــــلَّت وإليه تبتّلت تبتيلا

كمْ لها في الزمانِ آياتُ فضلٍ   ***   ضاقَ فيها الزمانُ عرضاً وطولا

في الأبيات الثلاثة الأولى يتكلم الشاعر بلسان أهل البيت (ع) وخاصةً على لسان الإمام علي وبنيه (ع) في إشارة إلى اشتراك الآخر ــ المتلقي ــ في الحزن والفجيعة، أما البيتان الأخيران فإشارة إلى عبادة الزهراء وفضلها، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة.

وللقزويني في مدح الإمام الحسن (ع) وذكر نبذة من فضائله بقصيدة بائية تبلغ مائة وواحد وخمسين بيتاً، يقول فيها:

إمامٌ على الدنيا أطلَّ نواله   ***   وأخصب فيه كل أفقر أجدبِ

تجلى على الإسلام كوكب سعدِه   ***   فأشرق من أنوارِهِ كلُّ كوكبِ

وقامَ مقامَ المرتضى في دفاعه   ***   عن الدينِ بالحربِ العوانِ المعطبِ

بعزمٍ كعزمِ المصطفى يصدع الصفا   ***   وحزمٍ كحزمِ المرتضى متلهِّبِ

تتجلى في هذه الأبيات المكانة الطبيعية للإمام الحسن (ع) بعد أبيه بنص حديث الرسول في تنصيب الأئمة من بعده كما تتجلى الإشارة أيضاً إلى وراثته الصفات النبوية والعلوية ولكن هذه المكانة لسبط النبي (ص) لم يراعِ لها بنو أمية حق ولا حرمة، يقول القزويني:

وما هوّمت حتى قضى السبط نحبه   ***   ونالت به أقصى مرامٍ ومأربِ

وقد أثبتت سبعين سهماً بنعشه   ***   بتجديده عهد الحبيبِ المقرّبِ

فهل علمت أكناف مكةَ ما جرى على الحسن الزاكي بأكتاف يثربِ

في هذه الأبيات يدير الشاعر دفة الحزن والأسى الى عملية دفن الإمام الحسن (ع) وذلك عندما أراد بنو هاشم أن يدفنوه قرب جده النبي (ص) فهو أقرب الناس إليه لكن بني أمية عارضوهم ورموا النعش بالسهام وكادت أن تنشب الحرب لولا وصية الإمام الحسن (ع) لأخيه الحسين (ع) بعدم سفك قطرة دم واحدة في دفنه وهذا دأب أهل البيت في حقن دماء المسلمين, ويصور الشاعر هنا النعش وقد ثُبِّت به سبعين سهماً وهذا التصوير يعطي عمقاً مأساوياً للأسى و الفجيعة.

أما رثاء القزويني للإمام الحسين (ع) فقد تعددت موضوعاته وألمّت بجزء كبير من أحداث كربلاء فقد ذكر أحداث الطف وتفاصيلها فرثى الحسين وبكى لمأساته وقلة انصاره وظمأه وصبره، كما صوّر مأساة أخته زينب بطلة كربلاء ودورها في رعاية السبايا كما وصوّر الموقف الخالد لأبي الفضل العباس مع أخيه الإمام الحسين (ع)، يقول شاعرنا في ميميته التي بلغت مائة وستة وعشرين بيتاً:

فكأنه والصحبُ محدقةٌ به   ***   قمرُ السماءِ بهِ تحفُّ نجومُها

وفوارسُ السمرِ اللدانِ سميرُها   ***   في الروعِ والبيضُ الرِّقاقُ نديمُها

لم يثنها وقع الصوارمِ والقنا   ***   فكأنما زُبَرُ الحديدِ جسومُها

تنقضُّ بالبيضِ الصفاحِ كأنّها   ***   شهبٌ بها للماردينَ وجومُها

وأسودَّ من ليلِ العجاجِ نهارُها   ***   واحمرَّ من فيضِ الدماءِ أديمُها

بأبي الذي وَاسا أخاهُ بنفسِهِ   ***   لمّا عراهُ من الخطوبِ عظيمُها

يلقى الكماةَ الدارعينَ بصارمٍ   ***   مهجُ الكماةِ به تفيضُ كلومُها

حتى هوى قمرُ الهدى من هاشمٍ   ***   فوق الثرى فهوتْ عليه نجومُها

يستمد الشاعر في هذه الأبيات مقومات الإشادة بأصحاب الحسين وأهل بيته (ع) وخاصة بطل العلقمي أبي الفضل العباس (ع) من قول الإمام الحسين (ع) حين خاطبهم قائلاً:

إني لا أعلم اصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرَّ وأوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً.

فهؤلاء الرجال الأبطال موفورو الإيمان على أتم الاستعداد لبلوغ أعلى ما يشهده المؤمن الكامل اليقين. ثم يتعرض لشجاعة الإمام الحسين (ع) التي أذهلت الأعداء وهو يواجه جيشاً بمفرده واهباً الأجيال أروع دروس الإباء والتضحية، فيقول:

ورأى الحياةَ على الهوانِ ذميمةً   ***   وكذا به محمودها مذمومُها

يلقى الجموعَ بمثلِها من نفسِهِ   ***   عند الهجومِ فلمْ يرعْه هجومُها

وإذا الجنودُ تكاثرت لم يكترثْ   ***   أو صمّمتْ لم يثنِهِ تصميمُها

يثني الخيولَ على الخيولِ بعزمةٍ   ***   علويةٍ فأخيرُها قيدومُها

فغدتْ جموعهمُ وقد ملأوا الفضا   ***   بدداً تطايرُ كالرؤوسِ جسومُها

والشاعر هنا يستذكر هذا الموقف الخالد موظّفاً المبادئ الحسينية وموضحاً إن الإمام الحسين (ع) رمز البطولة والتضحية والفداء وخلاصة الشجاعة والبأس ومعلم الثوار الأحرار جميعاً.

وفي عينيته يقرن الشاعر بين منزلة الإمام الحسين (ع) العظيمة وما جرى عليه من مآس وفجائع، فيقول:

لله أقمارٌ أفلنَ بكربلا   ***   ولها بيثربَ والمحصّبِ مطلعُ

أنستْ بهم أرضُ الطفوفِ وأوحشتْ   ***   هضباتُ يثربَ والمقامُ الأرفعُ

طُفْ بيَّ على فلكِ الطفوفِ وقُل له   ***   مستعبراً أعلمتَ من بكَ مُودعُ

فيكَ الإمامُ أبو الأئمةِ والذي   ***   هوَ للنبوّةِ والإمامةِ مجمعُ

مولىً بتربته الشفاءُ وتحت قبَّــــــتِهِ الدعاءُ لكلِّ داعٍ يسمعُ

فيكَ الذي فيه النبيُّ موكّلٌ   ***   والطهرُ فاطمُ والبطينُ الأنزعُ

فيكَ الذي أشجى البتولَ ونجلَها   ***   وله النبيُّ وصنوُه متفجّعُ

فحياةُ أصحابِ الكساءِ حياتُه   ***   وبيومِ مصرعِهِ جميعاً صُرِّعوا

إن أهم ما يتجسّد في هذه الأبيات هو الارتباط الوثيق بين الإمام الحسين وأصحاب الكساء (ع) فهو امتداد طبيعي لدعوة جده المصطفى (ص) ويؤكد ذلك الحديث الشريف: (حسين مني وأنا من حسين) وهو لذلك أبو الأئمة من ولده.

وله في رثاء أهل البيت (ع) من قصيدة طويلة:

ما كنتُ بالكاعباتِ الرودِ مفتونا   ***   كلا ولا بتُّ ليلَ الصدِّ محزونا

ولا أطعتُ هواها وهي جائرةٌ   ***   حكماً فتبعدنا طوراً وتدنينا

ولا تجافت جنوبي عن مضاجعِها   ***   ولا جفوتُ رقادي حين تجفونا

ولا نثرتُ عقيقَ الدمعِ منتظماً   ***   بلؤلؤٍ في الأماقي كان مكنونا

وفيها يقول:

بلى شجيتُ ولا أنفكُّ عن شجنٍ   ***   لما شجى عترة الهادي الميامينا

عرِّج على الطفِّ من شاطي الفراتِ ونُح   ***   على كرامٍ قضوا بالطفِّ ظامينا

وعُج إلى يثربٍ وابكِ النبيَّ بها   ***   وفاطماً وبنيها المستضامينا

وانح الغريينِ من كوفان منتدباً   ***   أبا الأئمةِ جارُ المستجارينا

ونجد في قصائد القزويني جانباً آخر هو جانب الأخذ بالثأر من أعداء أهل البيت على يد الإمام المنتظر (ع) وغالباً ما يضمِّن الشاعر هذا الجانب في أبيات تأتي في آخر القصيدة ويعبر الشاعر من خلالها عن ولائه لأهل البيت (ع) انطلاقاً من التبرئة من أعدائهم، فيقول:

يومٌ بالثأرِ ينهضُ المرتجى   ***   للثأرِ بالسيفِ للعِدى قتالا

أصيدٌ من بني النبيِّ يرى   ***   في وجهه نورُ جدِه يتلالا

غامداً في النحورِ بيضاً صقالاً   ***   راكزاً في الصدور سمراً طوالا

عاقداً راية الهدى ناشراً للأمــــــــــنِ من بعد طيِّهِ سِربالا

ثم يطلق صرخة مستغيثاً:

يا إمام الهدى إلى م نقاسي   ***   والهدى بانتظاركَ الأهوالا ؟

غللونا وقيدونا فأدرِكنا   ***   وفُكّ القيودَ والأغلالا

كم على بعدكَ احتملنا الرزايا   ***   من أعاديكَ لا تطاقُ احتمالا

وهذه الأبيات لا تحتاج إلى توضيح، ولنستمع إليه وهو يئن في استنهاضه الإمام المهدي (ع) ليغيث أمة جده (ص):

فإلى متى يا ابنَ النبيِّ محمدٍ   ***   تغضي عن الشكوى وإنك تسمعُ

إنْ لم تغثْ بالسيفِ أمتَه ولم   ***   تفزعْ عداهُ فمنْ يغيثُ ويُفزعُ

دمكمْ أطلوه ومنبرُ جدكمْ   ***   ظلماً علوهُ وفيئكمْ قد وَزَعوا

أخذوا بأقطار البلادِ ولم نجدْ   ***   إلّاكَ معتصماً يجيرُ ويمنعُ

وله مقاطع كثيرة على هذا النحو من الاستغاثة بالإمام المهدي كما هناك جوانب أخرى لا يسع المجال لذكرها تركناها خشية الإطالة. توفي القزويني عام 1306 هـ في بغداد ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن فيها قرب والده الذي توفي سنة 1300هـ .

وقد رثاه العديد من الشعراء منهم السيّد حيدر الحلّي بقوله:

ومجدك ما خلتُ الردى منك يقربُ   ***   لأنّك في صدرِ الردى منه أهيبُ

أصابَكَ لا من حيث تخشى سهامه   ***   عليكَ ولا من حيث يقوى فيشغبُ

ولكن رمى من غرّةٍ ما أصابها   ***   بمثلكَ رامٍ منه يرمي فيعطبُ

وما خلتُ منك الداءَ يبلغ ما أرى   ***   لأنّكَ للدهرِ الدواءُ المجرّبُ

ولا في فراشِ السقم قدّرتُ أنّني   ***   أرى منك طوداً بالأكفِّ يُقلّبُ

أمنتُ عليكَ النائبات وأنّها   ***   لعن كلّ مَن آمنته تتنكّبُ

وقلت شغلن الدهرَ في كلّ لحظةٍ   ***   مواهبُ كفّيك التي ليس توهبُ

ولم أدر أنّ الخطبَ يجمعُ وثبةً  ***   وأنّ عشارَ الموتِ بالثكلِ مقربُ

إلى حين أردتني بفقدِكَ ليلةٌ   ***   تولّد منها يومُ حزنٍ عصبصبُ

فقامَ بكَ الناعي وقالَ وللأسى   ***   بكلِّ حشاً يُدميه ظفرٌ ومخلّبُ

هلمَّ بني الدنيا جميعاً إلى التي   ***   تزلزل منها اليوم شرقٌ ومغربُ

محمد طاهر الصفار

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

.........................................................................................

1 ــ  أعيان الشيعة ج 7 ص 380 ــ 383 .

2 ــ المجالس السَّنيّة، للسيّد محسن الأمين ج 2 ص 369

3 ــ  أدب الطف ج 8 ص 66

4 ــ معجم المؤلفين           

5 ــ الأعلام ج 3 ص 198 .

6 ــ معجم خطباء المنبر الحسيني ج 2 ص 187

المرفقات