309 ــ عبد الله الذهبة البحراني: توفي (1277 هـ / 1860 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (78) بيتاً:

أما أتـاكم ما على (كربلا)      مـن نـبـأ منه شباكمْ نَبَا

ما جاءكم أن العظيمَ الذي      على الثريَّا مجدكمْ طنّبا

وكاشفُ الأرزاءِ عنكمْ إذا      دهرٌ بأجـنـادِ البلا أجلبا

وقال من قصيدة أخرى لم نعثر سوى على مطلعها وهو:

عُجْ على (كربلا) وحيِّ حماها      واسقِ بالدمع وَهْدَها ورُباها

الشاعر

عبد الله بن أحمد الذهبة، عالم وأديب وشاعر ولد في قرية جد حفص في البحرين وفيها بنى فيها مسجداً لا يزال إلى الآن يعرف باسمه، وسكن مسقط ثم غادرها إلى لنجة ــ على الساحل الإيراني ــ وفيها توفي.

كان الذهبة عالماً تقياً ورعاً أثنت عليه كل المصادر التي ترجمت له وكانت له مكانة سامية في مجتمعه، يقول عنه السيد خليل الجد حفصي (وهو من معاصريه ومن أهل بلدته) في مدحه:

ما جاءَ قبلك في البحرينِ من رجلٍ      يحكيكَ في النظمِ عبدالله يا ذهبَه

ملكتَ بالـفـضلِ أهلَ الفضـلِ كلَّهمُ      وكـــلَّ ذي أدبٍ ألزمتَـــــــه أدبَه

وقال عنه الشيخ علي البلادي: (كان شاعراً ماهراً مجيدا من شعراء أهل البيت عليهم ‌السلام، وراثيهم ومادحيهم تقياً نقياً، اجتمعت به في دارنا بالقطيف...) (1)

وقال عنه العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني: (كان من مشاهير مدّاح أهل البيت عليهم‌ السلام، وقد أكثر من البكاء والنوح عليهم، وكان في غاية الورع والتقوى نظيراً للسيد حيدر الحلي في العراق ...) (2)

وقال عنه العلامة الشيخ محمد السماوي: (كان أديباً بليغاً، وشاعراً بارعاً، سهل النظم، سريع البديهة، حلو اللفظ ...) (3)

وقال عنه الشيخ محمد علي العصفور: (هو أحد الأعلام، وركن الإسلام، وطوده الشامخ...) (4)

شعره

إن مما يؤسف له أن يضيع تراث هذا الشاعر الكبير حيث فقد ديوانه الضخم الذي ضم قصائده في أهل البيت (عليهم السلام)

يقول الشيخ علي البلادي: (له ديوان شعر رأينا منه مجلدين ضخمين)

ويقول الشيخ الطهراني: (أن ديوانه يقع في أربعة مجلدات وفي مكتبته قطعة منه بخط أبي القاسم الكازروني وقد كتبها في بندر لنجة).

وقال السيد جواد شبر: (له شعر كثير في أهل البيت عليهم‌ السلام ... رأيت ديوانه في مكتبة المرحوم الشيخ آغا بزرك الطهراني ـ قسم المخطوطات ـ الخزانة العاشرة وقد كتب على الغلاف (في رثاء الحسين). (5)

غير أنه كتب لبعض هذه الثروة أن تحفظ فقد احتفظت بعض المصادر الأدبية والسير والتراجم ببعض قصائده، كما عثر الباحث الأديب والمحقق سالم النويدري على نسخة مخطوطة فيها ثمان قصائد للشاعر (متوسط كل قصيدة منها ثمانون بيتاً).

ويعد شعر الذهبة من الطراز الرفيع قال عنه عبد العزيز البابطين: (شعره فيض من المديح والرثاء لآل البيت، يجيء معدداً لمناقبهم، وداعياً إلى السير على نهجهم والتأسي بأخلاقهم. له شعر ذاتي يعتد فيه بنفسه، إلى جانب بعض من الطرائف الشعرية، يكشف - من خلال تراكيبه وأنساقه - عن تعمّق لغوي، وذوق أدبي، وإغراق في بعض فنون البديع، يسير على هدْي الأقدمين في بناء قصائده من حيث المحافظة على عمود الشعر أوزاناً وقوافيا) (6)

يقول من قصيدته (البائية):

يخوضُ تـيَّارَ الـوغـى ذا حشا      فـيـه الـظـمـا سـاعــره ألـهـبـا

مـجـاهـداً عـن شـرعةِ اللّهِ‏ من      إلى الغوى عن نـهــجِـهـا نكبا

حتى قضى لم يلفِ مـن ناصرٍ      بعداً لمنْ عن نـصــرِه قد أبى

مـقـطّـراً تـعـدو بـأشـــــلائِــــهِ      بـرغـمـكـم خـيـلَ العِدا شزّبا

ما أعـجـبَ الأقـدارِ فـيـما أتتْ      لـصـفـوةِ الأقـــدارِ ما أعـجـبا

كيف قضتْ لغالبِ المـوتِ ما      عـن نـابِـهِ كـشّـرَ أن يــغــلــبـا

فما بقا الأكوانِ والـمـوتُ فــي      روحِ البرايا أنشبَ الـمـخـلــبـا

مضى إلى الرحمنِ في عصبةٍ      لنصرِهِ الرحـمـنُ قـبـلُ اجتبى

قضوا كراماً بعد ما أن قضوا      مـا اللّه‏ لابـنِ الـمصطفى أوجبا

على العرا عارينَ قد شاركتْ      في سترِها هامي النحورِ الظبا

ويقول من حسينية أخرى تبلغ (80) بيتاً:

سـأصـبـرُ حـتـى أورِدُ الـمـوردَ الـذي      به طابَ لـلـمولى الحسينِ مـشـاربُـه

ألـمْ تـرهُ ذاقَ الــمــنــونَ وصــحــبُــه      حــذارَ هـوانٍ فـي الورى وأقــاربُــه

عشيّةَ ألقى في الطفوفِ عصا السرى      وطــافـتْ عـليه للـضلالِ عـصــائـبُه

بـغـتْ قـتـلـهـا بـغـيـاً حصيناً وصحبَه      ولــم تـدرِ أن الـبـغـيَ شــؤمٌ عـواقبُه

فــبــاتَ يـقـيـهِ كـلُّ أروعَ مــاجــــــــدٍ      تحمّلَ أعـباءَ المفاخـــــــرِ غــاربُــه

وحامي ذمارٍ لـو دعـا صـــــــارخٌ به      على النجم أضحى وهو للنجم راكبُه

وأشوسَ مـحـمـودِ الضــــرائبِ لو بدا      له الموتُ يومَ الـروعِ قامــتْ نوادبُه

ومن راسخٍ في الـحـلـمِ لو زلزلَ البلا      ثـبـيـراً وأحــداً ما تــقـطّــبَ حـاجـبُه

ذوي راحـةٍ قـد عـلّـمَ الـغـيــثَ سحُّها      بـه تـنـتـهـي هـامُ الــمـعـالـي مناصبُه

لها الويلُ حربٌ ما درتْ مَنْ بحربها      نَحَتْ بل درت والـموتُ لم يعيَ طالبُه

تريدُ بأن يُـعطي الـقـيـادَ ابـنُ فـاطـــمٍ      مـتى للظبا ليثُ الشـــــرى لانَ جانبُه

أليس هو العَضْـــــبُ الـذي يـعـهدونه      يُـفَـلّ ولـم تُـفلـلْ لـروعٍ مـضــــــاربُه

ولـكـنـهـا أرواحُـهـم سـاقـهـا الـقــضا      لـقـابـضـــــها والـمـوتُ تـلـك مـآربُـه

فتلكَ على وجهِ الـصـعـيدِ جســومُــهمْ      كأنّ بها في الصورِ قد صاحَ صاحبُه

وتــاللهِ لــولا شــوقُــه لـلـذي قـــضـى      لـه اللهُ والـمـحـتـومُ لم يخطِ صــــائبُه

لما بـاتَ مـن فـــــوقِ الترابِ تـريـبةً      بـرغـمِ المعالي والـفـخــارُ تـرائــبُــــه

فلهفي ولا يشفي الذي في ضـمائـري      بـلـهـفـي ولا يـخـبـو مـن القلبِ لاهبُه

لربات خدرٍ لم ترَ الشـــــــمسُ ثـوبَها      لـهـا دانَ أعــجــامُ الـــورى وأعـاربُه

لدى كلِّ وغدٍ ما درى المجدَ ما اسمُه      يُـجـاذبُـهـا فضـــــــــلَ الـردا وتُجاذبُه

فيا لكَ جرحاً ليـــس يُرجى انـدمــالُـه      ولا بُـرؤه أو يــأخـذ الثـــــأرَ صاحبُه

أما القصائد الست الأخرى فقد ذكرت مطالعها فقط وهي:

الأولى:

خَلا مقلتي ذّمٌّ غداةَ الأجارعِ      فقد أسعفتني بالدموعِ الهوامعِ

والثانية:

أرى المجدَ معشوقَ البوائقِ عاشقُه      ولكنه يستعذبُ الموتَ تائقُه

والثالثة:

إلى كم ذا الوقوف على الطلولِ      بها ترعـى المحالَ من المحيلِِ

والرابعة:

خُذا من غدرةِ الدهر الحِذارا      وإنْ صافى فظنّاه اغترارا

والخامسة:

عُجْ على كربلا وحيِّ حماها      واسـقِ بالدمعِ وَهْدَها ورُباها

والسادسة:

بأيّ شمس جلالٍ كسفتها المرهفات      بأيّ طود كمالٍ دكدكته الفاقرات

محمد طاهر الصفار

......................................................

1 ــ أنوار البدرين ص ٢٥١

2 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ص 695

3 ــ الطليعة إلى شعراء الشيعة ص 367 

4 ــ الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر المسمّى بـ (تاريخ البحرين)

5 ــ أدب الطف ج 7 ص 103

6 ــ معجم البابطين

المرفقات