رسالة الحقوق.. مذكرة معروف خالدة

حق ذي المعروف وفق ما ورد في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام):

(واما حق ذي المعروف عليك، فان تشكره وتذكره معروفه، وتنشر له المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين لله سبحانه، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سراً وعلانية، ثم ان أمكن مكافأته بالفعل كافأته والا كنت مرصداً له، موطناً نفسك عليها).

 

وثَّقت رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) جملة المبادئ الإنسانية التي من شأنها أن تنظم حياته للحفاظ على الاستقرار والتوازن المجتمعي من دون هدر أي حقوق مقابل تأمين حقوق أخرى, بل بالعكس فأن أي حق مرتبط بحق آخر بحكم إننا نتعامل عبر علاقات تفاعلية قائمة على الأخذ والعطاء؛ لذلك سنتعرف على حق ذي المعروف وارتباطه الوثيق بفلسفة الشكر والامتنان, وكيف يكون المعروف متبادلا حتى لو لم يكن آنيا سيكون بعد حين.

أهل المعروف

من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يعضد هذا التكليف قوله تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" ولا يختلف كل عاقل ومدرك لمفردات الدين الإسلامي على سمات أهل المعروف ومن هو ذي المعروف وهل من يأمر به هو ذاته من يفعله؟

في طبيعة الحال فإن من يأمر بالمعروف ويحث عليه يظهر على أدائه وسلوكه الإنساني فالقول إذا لم يرتبط بالفعل لا يكن مؤثرا ومقنعا, وعليه فإن كثيرا من الناس تبادر بعمل المعروف حتى قبل أن تدعو إليه وبهذا تحقق ثواب الدعوة غير المباشرة إليه وثواب فعله واقعا, لاسيما ونحن في زمن اشتدت فيه الصعاب وزادت فيه التحديات, ونحتاج إلى تبادل المعروف في ابسط تفاصيل حياتنا اليومية قبل اكثرها تعقيدا لتكون أسلوب حياة ويزداد بذلك أهل المعروف.

 

ثقافة الامتنان

من يقدم لنا معروفا وجب علينا رد المعروف, لكن رده قد يحتاج عامل الوقت أو الموقف؛ لذا فمن الأولى والأهم هو تقديم الشكر والامتنان فورا وهذا من أعظم طرق الرد لأنه موجب للمحبة ومحفز على زيادة الرغبة في إبداء المساعدة ونشر الخير, فالإنسان بطبعه يحتاج للكلمة الطيبة ربما أكثر من احتياجه للرد المادي, فالكلمة الطيبة تكون آنية وعامل الوقت والتزامن مهم جدا في ترسيخ المشاعر الإنسانية والتأسيس لذاكرة إيجابية تلهم لعمل معروف آخر, وهذه الثقافة واقعا هي سلوك يبدأ في عمر مبكر مع التنشئة الاجتماعية للطفل, فمن الجميل أن نقوم بشكر الطفل على أي عمل جيد يقوم به ونحاول أن نظهر له الامتنان بتعابير الوجه لنعمق في ذاته هذه الثقافة وتتحول تدريجيا إلى نمط تعامل طبيعي ويكون الشكر جزء من منظومته الأخلاقية وبذلك يتحقق أحد أهم اركان المعروف وهو التربية الصالحة وتطويع النفس على المحبة وترسيخ ثقافة الشكر.

ذاكرة المعروف

كثير من اصحاب المعروف أو أغلبهم لا ينتظرون جزاء معروفهم؛ لأن من يتحلى بصفة عمل الخير يكون زاهدا بثمن عمله, وقد ينسى بعد مدة زمنية ما قدمه من إحسان للآخرين, لكن لا ينس بعض الناس حق أهل المعروف عليهم, وبغض النظر عن شكرهم في حينها, والدعاء في ظهر الغيب أو علانية, ألا أن لبعض أوجه المعروف صورا انعكاسية تؤكد إن من يبذر الخير في موضعه يجني حلو الثمر لو بعد حين, والقصص في هذا المورد كثيرة وعظيمة وتتناقلها الأجيال على مر العصور وكل ما علينا هو أن نقدم المعروف ونمضي وكما خلق الله الارض كروية الشكل, فلنتخيل أن نظام الأعمال أيضا يتخذ الشكل الكروي وإن كل شيء سيعود ونصادفه من الجهة الأخرى ذات يوم وإن عمل الخير سيرد لنا كتعاقب فصول السنة وعودة الربيع بعد كل ثلاثة مواسم, بهذا المفهوم واليقين لن نتأخر عن أي عمل يوجب الثواب ويعود إلينا في يوم ربما نكون أحوج ما نكون فيه لمساعدة شخصا آخر فعجلة الزمن لا تنفك عن الدوران.

إيمان كاظم

المرفقات