العمل الفني صيغة إبلاغية...

يعد العمل الفني التشكيلي رسالة انسانية تحمل كثير من الشفرات والرموز التي تحدد وتنفتح امام الفنان والمشاهد، وذلك من خلال الوقوف على السياق الذي يحكم تلك الرسائل وفق نظام يرتب وحداته المختلفة المستندة إلى التركيب والتوزيع في وحدات العمل الفني.

 والشفرة بشكل عام تعتبر من أهم العناصر المؤلفة لأي فعل تواصلي، كونها تفصح بدلالاتها للمتلقي عن طريق قدرته في فك رموزها.. فالشفرة تتحكم في أنتاج الرسالة وتلقيها من منطلق ان الأعمال الفنية التشكيلية قبل أن تكون مجرد صور هي تعبيرات وأشكال ورموز موجهة إلى العقل وتوحي بالمعاني من خلال طرق التعبير القائمة في شتى أنواع الفنون المرئية والمقروءة والمسموعة، مما يكسبها بالمحصلة وظيفة ابلاغية تصل لعدد غير قليل من المتلقين، وبذلك فانها ستمثل سلطة توجيه فاعلة أكثر مما تتضمن من معرفة نظرية، لذا كانت وظيفة الفنون تركز على التأثير في المستقبل المتعرض لتاثيرها.

   ومن هنا نجد أن التكوينات الفنية التشكيلية وعناصرها هي بمثابة أداة تواصل فكرية مهمة بين الأفراد من خلال وظيفتها التبليغية، ذلك أن الأعمال التشكيلية وعلى مَرَّ تحولاتها وتطورها تكون مُحمّلة بل مثقلة بمفاهيم فكرية ترتبط بالفكر الأجتماعي كما هو الحال في اللوحة اعلاه والتي تنطق بموسم الحج وطواف الحجيج حول بيت الله الحرام، وسواءً أكان لهذه الأعمال التشكيلية وظائف أخلاقية أو جمالية صرفة ،فأنها في كل الأحوال تحمل مضامين فكرية، وهذه المضامين تتحرك في بنية الفكر الاجتماعي أو في ذات الفرد الفنان كما في الفن الحديث، وهي نتاج لعوامل فكرية ضاغطة مهيمنة على الفكر، وتحتاج إلى تحريرها بهيئة خطابات تشكيلية، يتم اعدادها وصياغتها من قبل الفنان بوسائط مادية وخامات متنوعة وبأتباع تقنيات شتى تبعاً لتطور الحضارة عبرَ تحولاتها التاريخية، وعند ذلك تظهر الأفكار مجسدة بهيئة أشكال معبرة عن مثل هذه المفاهيم الفكرية،  وسواءً أكانت بنية الأشكال واقعية، بمثابة تقليد لما تراه العين في عالم الواقع، أو كانت تعبيرية تخضع لذات الفنان الفاعلة المؤولة، أو كانت تجريدية بعيدة عن الواقع، فأنها بنظم علائقها التكونية وما يجاورها من عناصر وبنى مجاورة اخرى، فهي عوامل فاعلة ومتفاعلة للإفصاح أو للإبلاغ عن المفهوم المتجسد في البناء الشكلي للأعمال التشكيلية.

ومن جهة أخرى، فأن تقصي الإبلاغ في الأعمال التشكيلية يتخذ قراءة أخرى، وذلك في البحث عن المهيمنات الفكرية وأساليب أحالتها إلى دلالات شكلية، وهذه القراءة تتطلب معرفة تامة ببنية الحضارة ومفرداتها الفكرية المتحركة في الوسيط الحضاري ودلالاتها بعد أن تتحول إلى أنساق شكلية، وذلك حين تعلن عن مدلولاتها الرمزية في بنية الأشكال الماثلة امام المتلقي بموجب السياقات المتحكمة في بنية الأعمال التشكيلية، وأن قراءة هذه التكوينات الفنية تتجه من الخارج أي من المهيمن الفكري إلى الداخل حيث علائق أنظمة الأشكال، فضلا عن التحليل الشكلاني لأنظمة العلاقات الشكلية بغية كشف المهيمنات الخارجية الضاغطة في بنية الأعمال التشكيلية وهما بالتاكيد يعدان الوسيلتان المثاليتان المتبعتان في فحص الأعمال التشكيلية  لمعرفة مكنوناتها ووظائفها الابلاغية في حركة الفكر الاجتماعي.

اللوحة من التراث المكي ..

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات