هل صلاة الإستغاثة بالزهراء (ع) تعتبر شركاً ؟

أجمعَ المسلمونَ قاطبةً – شيعةً وسنّةً - أنّ الإستغاثةَ بغيرِ اللهِ ليسَت بشرك، وخالفَ في هذهِ المسألةِ إبنُ تيميّةَ الحرّاني (ت 728 هج)، وقوله هذا يعدُّ مِن بدعِه التي اُنكرَت عليه، وقامَ علماءُ الإسلامِ بالرّدِّ عليهِ في حياتِه وبعدَ وفاته، فخمدَت فتنتُه وكادَ أن يُستأصلَ شرُّه، لولا أن قامَ محمّدٌ بنُ عبدِ الوهاب النّجدي (ت 1206 هج) وأحيى مذهبَ إبنِ تيميّة، وإتّهمَ المُسلمينَ بالشركِ وعبادةِ غيرِ اللهِ تعالى، بسببِ إستغاثتِهم بالأنبياءِ والأئمّةِ والأولياءِ والصّالحين. 

قالَ السّبكيُّ الشّافعي (ت 756 هج) : 

إعلم : أنّهُ يجوزُ ويحسنُ التوسّلُ والإستغاثةُ والتشفّعُ بالنّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم إلى ربِّه سبحانَه وتعالى . وجوازُ ذلكَ وحسنُه منَ الأمور المعلومةِ لكلِّ ذي دينٍ ، المعروفةِ مِن فعلِ الأنبياءِ والمُرسلينَ ، وسيرِ السّلِف الصّالحين ، والعلماءِ والعوامِّ منَ المُسلمين . ولم ينكِر أحدٌ ذلكَ مِن أهلِ الأديانِ ، ولا سمعَ بهِ في زمنٍ منَ الأزمانِ ، حتّى جاءَ إبنُ تيميّة ، فتكلّمَ في ذلكَ بكلامٍ يلبسُ فيهِ على الضّعفاءِ الأغمار ، وإبتدعَ ما لم يسبِق إليهِ في سائرِ الأعصار .

(شفاءُ السّقام، عليّ بن عبد الكافي السبكي، ص ٢٩٣) .

وقالَ إبنُ حجرٍ الهيتمي (ت 974 هـ) : 

مِن خرافاتِ إبنِ تيمية التي لم يقُلها عالمٌ قبلَه، وصارَ بها بينَ أهلِ الإسلامِ مثلةً أنّهُ أنكرَ الإستغاثةَ والتوسّلَ بهِ (ص)، كما أفتى، بل التوسّلُ به حسنٌ في كلِّ حالٍ قبلَ خلقِه وبعدَ خلقِه في الدّنيا والآخرة ، فممّا يدلُّ على طلبِ التوسّلِ بهِ قبلَ خلقِه وأنّ ذلكَ سيرةُ السّلفِ الصّالحِ والأنبياءِ والأولياءِ وغيرِهم، فقولُ إبنِ تيمية ليسَ لهُ أصلٌ ، مِن إفترائه .... (الجوهرُ المُنظّمُ في زيارةِ القبرِ المُكرّم، لابنِ حجرٍ الهيتمي، ص 109) .

ولا إشكالَ في صلاةِ الإستغاثةِ بالسّيّدةِ الزّهراء (ع) .

فإن كانَ منشأ توهّمِ الشّركِ مِن جهةِ نفسِ الصّلاة.

فنقولُ: صلاةُ الإستغاثةِ بالزّهراءِ (ع)، هيَ صلاةٌ للهِ تعالى، وليسَت صلاةً للزّهراءِ (ع)، ولكِن بعدَ الصّلاةِ تسجدُ للهِ تعالى وتستغيثُ بالسّيّدةِ الزّهراء (ع).

وإن كانَ منشأ توهّمِ الشّركِ مِن جهةِ الإستغاثةِ بالزّهراء (ع).

فنقولُ: الإستغاثةُ بالزّهراءِ (ع) ليسَت عبادةً لها، بل هوَ طلبُ غوثٍ منها ونداءٍ لها بالإغاثةِ، ومنَ المعلومِ أنّ الطلبَ والنّداءَ إذا لم يُصاحبه الإعتقادُ بألوهيّةِ المدعوّ والمُنادى لا يُعدُّ شِركاً ولا كُفراً.

فنحنُ نستغيثُ بها بإعتبارِ أنّ لها وجاهةً عندَ اللهِ، فنطلبُ منها حاجاتِنا، بإعتقادِ أنّها مخلوقةٌ للهِ، ومِن عبادِ اللهِ الصّالحينَ، ولا نطلبُ منها بإعتقادِ أنّها هيَ اللهُ – والعياذُ بالله –  

مثالٌ: 

الغريقُ الذي يطلبُ مِن إنسانٍ أن يُنقذَه وهوَ يعتقدُ أنّهُ اللهُ، فطلبُه عبادةٌ، وهوَ شرك.

وأمّا إذا طلبَ منهُ بإعتقادِ أنّهُ عبدٌ للهِ تعالى فهذا ليسَ بشرك.

نعم إذا طلبَ الغريقُ النّجاةَ والإنقاذَ مِن شخصٍ يعلمُ أنّهُ لا يستطيعُ إنقاذَه فطلبُه عبثٌ، وليسَ بشركٍ ولا حرام.

ومثله كأن تطلبَ مِن شخصٍ إزالةَ جبلٍ، وأنتَ تعلمُ أنّهُ لا يقدرُ على ذلكَ، فطلبُك عبثٌ، وليسَ بحرامٍ ولا شرك.

وإن كانَ منشأُ توهّمِ الشّركِ مِن جهةِ السّجود.

فنقولُ: السّجودُ للمخلوقِ لا يُعدُّ شِركاً ولا عبادةً إن لم يعتقِد بألوهيّةِ المسجودِ لهُ، معَ أنَّ السّجودَ لغيرِ اللهِ حرامٌ، ولكنّهُ ليسَ بشركٍ، ما دامَ لم يعتقِد بألوهيّتِه. (هناكَ فرقٌ بينَ الحُرمةِ التي هيَ مسألةٌ فقهيّةٌ ترتبطُ بفعلِ المُكلّفِ، وبينَ الشّركِ الذي هوَ مسألةٌ عقائديّةٌ ترتبطُ بإيمانِ المُكلّف). 

مثلاً: لو سجدَ شخصٌ لأميرِ المؤمنينَ (ع) بإعتقادِ أنّهُ (ع) عبدٌ مخلوقٌ للهِ، فسجودُه حرامٌ، ولكنّهُ ليسَ بشرك.

نعم لو سجدَ لأميرِ المؤمنينَ (ع) بإعتقادِ ألوهيّتِه وإستقلاله، فيُعدُّ شركاً وعبادةً لغيرِ الله.

وشيعةُ أهلِ البيتِ (ع) لايعتقدونَ بألوهيّةِ أميرِ المؤمنينَ (ع) ولا إستقلاليّتِه، ولا يسجدونَ له.

فما يصدرُ منَ البعضِ في المقاماتِ المُطهّرةِ، مِن هيئةِ السّجودِ أمامَ عتبةِ المقامِ، فهوَ سجودُ شكرٍ للهِ تعالى على أن وفّقَهم للزّيارةِ، وليسَت سجوداً لأميرِ المؤمنين (ع). 

والخلاصةُ: 

فما وردَ في روايةِ المُفضّلِ مِن صلاةِ الإستغاثةِ بالزّهراءِ (ع)، فهيَ صلاةٌ للهِ تعالى، وليسَت للزّهراءِ (ع)، فلا تكونُ عبادةً لها، ولذا لا شِركَ مِن هذهِ النّاحية.

وأمّا القولُ في السّجودِ يا فاطمة أغيثيني، فهذا السّجودُ للهِ تعالى، وليسَ للزّهراءِ (ع)، بل حتّى لو كانَ سجوداً للزّهراءِ (ع) فهوَ حرامٌ وليسَ بشركٍ، ما دامَ أنّهُ لا يعتقدُ بألوهيّةِ الزّهراء (ع).

وأمّا الإستغاثةُ بالمخلوقِ فلا يُعدُّ شِركاً كما قُلنا، ما دامَ أنّكَ لا تعتقدُ بألوهيّةِ الذي تستغيثُ به.

(بعضُ أدلّةِ جوازِ الإستغاثةِ)

وقد وردَت أدلّةٌ كثيرةٌ على جوازِ الإستغاثةِ – لا مجالَ لذكرِها هُنا - كحديثِ الإستغاثةِ برسولِ اللهِ (ص) لإزالةِ الخدرِ، وإستغاثةِ الخلقِ بالأنبياءِ يومَ المحشرِ، والإستغاثةِ بعبادِ اللهِ الغائبينَ إذا ضللنا الطّريقَ، والإستعاذةِ برسولِ اللهِ، وعدمِ ذكرِ النّبيّ (ص) أنّها شركٌ، وغيرُها منَ الأدلّةِ الكثيرةِ التي تُطلبُ منَ الكُتبِ المُخصّصةِ لذلك.

بل يكفي في جوازِها عدمُ ما يدلُّ على كونِها شركاً، وإجماعُ المُسلمينَ، وسيرةُ المسلمينَ بل أهلُ الأديانِ قائمةٌ على الإستغاثةِ بأنبيائِها وأوليائِها، ولم يُنكِر عليهم أحدٌ، حتّى جاءَ إبنُ تيميّةَ بدينٍ

جديدٍ لا يعرفُه المسلمونَ، وحكمَ بشركِ المُسلمينَ، وهيَ مِن أخطرِ بدعِه، وهذهِ المسألةُ هيَ الحدُّ الفاصلُ بينَ مذهبِ الوهابيّةِ، ومذهبِ بقيّةِ المُسلمين. 

(دليلٌ نقضيٌّ)

وماذا يفعلُ إبنُ تيميّة والوهابيّةُ بإمامِهم أحمد بنِ حنبل الذي إستغاثَ بالجنِّ أو الملائكةِ في إحدى سفراتِه إلى الحجِّ، وقد إعترفَ الشّيخُ الألبانيُّ بصحّتِها . 

حيثُ روى إبن أبي شيبةَ والبزّار بالإسنادِ عَن عبدِ اللهِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً فِي الأَرضِ سِوَى الحَفَظَةِ يَكتُبُونَ مَا سَقَطَ مِن وَرَقِ الشَّجَرِ فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُم عَرجَةٌ بِأَرضٍ فَلاةٍ فَليُنَادِ: أَعِينُوا عِبَادَ اللَّه. (مُسندُ البزّار: 11 / 181، المُصنّفُ لإبن أبي شيبة: 7 / 116)

وقالَ الهيثميُّ: رواه البزّارُ ورجاله ثقاتٌ. (مجمعُ الزّوائد: 10 / 132)

وقالَ الحافظُ إبنُ حجرٍ العسقلانيّ: هذا حديثٌ حسنُ الإسنادِ. (نقلَه إبنُ علان في الفتوحاتِ الرّبّانيّة: 5 / 101)

وقالَ الألبانيّ: وهذا إسنادٌ حسنٌ كما قالوا . (السّلسلةُ الضّعيفة:2 / 111 رقم 656) .

وقالَ الألبانيُّ : ويبدو أنَّ حديثَ إبنِ عبّاس الذي حسّنهُ الحافظُ كانَ الإمامُ أحمد يقوّيه، لأنّهُ قد عملَ به، فقالَ إبنُه عبدُ اللهِ في " المسائلِ " (217) : " سمعتُ أبي يقولُ: حججتُ خمسَ حججٍ منها إثنتينِ [راكباً] وثلاثةً ماشياً، أو إثنتينِ ماشياً وثلاثةً راكباً، فضللتُ الطريقَ في حجّةٍ وكنتُ ماشياً، فجعلتُ أقولُ:  يا عبادَ اللهِ دلّونا على الطريقِ! فلم أزَل أقولُ ذلكَ حتّى وقعتُ على الطريقِ. أو كما قالَ أبي، ورواهُ البيهقيُّ في " الشّعب " (2 / 455 / 2) وإبنُ عساكرَ (3 / 72 / 1)  من طريقِ عبدِ اللهِ بسندٍ صحيح. (السّلسلةُ الضّعيفةُ للألباني: 2 / 111 رقم 656.) 

فإذا كانَت الإستغاثةُ بالغائبينَ سواءٌ كانوا ملائكةً أو جنّاً يعدُّ شِركاً كما تقولُ المدرسةُ الوهابيّةُ، فماذا يفعلونَ بإستغاثةِ إمامِهم أحمد بنِ حنبل بهم عندَما ضلّ الطريقَ في طريقِه إلى الحجِّ، وقد صحّ ذلكَ عَن أحمد بنِ حنبل؟!

فهل يحكمونَ بأنّهُ أشركَ باللهِ تعالى عندَما ناداهم وطلبَ العونَ منهم؟!

وإذا ثبتَ صحّةُ وحسنُ حديثِ إبنِ عبّاس كما إعترفَ بهِ الشيخُ الألبانيّ وغيرُه، فهل يلتزمونَ أنّ النّبيَّ (ص) كانَ يُعلّمُ أمّتَه الشّركَ باللهِ تعالى؟! وهل الصّحابةُ عندَما كانوا يحدّثونَ بهذهِ الأحاديثِ كانوا يعلّمونَ الأمّةَ كيفَ يشركونَ باللهِ تعالى؟!

وهذا الحديثُ رويَ عَن جماعةٍ منَ الصّحابةِ أمثالَ عبدِ اللهِ بنِ مسعود، وعتبةَ بنِ غزوان ومُرسلاً عَن أبانَ بنِ صالحٍ عنِ النّبي (ص) .

وهوَ حديثٌ عملَ بهِ أكابرُ علماءِ السّنّةِ كالإمامِ النّوويّ وشيوخِه وأحمدَ بنِ حنبل ، وأخبرَ الطبرانيُّ أنّهُ حديثٌ مجرّبٌ، وهكذا أخبرَ الملّا علي القاري عن مشايخِه أنّهُ مُجرّب.

المرفقات